تغيّرت خارطة الحياة التي يعيشها سكان الكوكب بفعل جائحة "Covid-19" ومتحورات الفيروس المتتابعة، فالعالم اليوم يعيش تدهوراً اقتصادياً عالمياً غير مسبوق، أجبر آلاف المؤسسات، إن لم نقل مئات الآلاف، على الإغلاق، ولكننا كبشر خُلقنا لنتكيّف مع البيئات المختلفة، ولنجد الحلول للتحديات والمواقف العصيبة.
حثّ فيروس كورونا المنافذ العاملة التي تعتمد على التفاعلات الشخصية، كالمطاعم، على التفكير ملياً بعد الفشل الكبير الذي أصابها بعد إحجام الناس عن زيارة الأماكن المغلقة أو المكتظّة لتجنب العدوى، وبالتالي بذلت المطاعم قصارى جهدها لمحاربة الأزمة، مع التركيز على خيارات الوجبات الجاهزة والتوصيل التي أثبتت أنها شريان حياة هذا القطاع. وهنا، كان السبيل لانتشار مفهوم جديد يقوم على فكرة المطابخ السّحابية، بما يضمن إعادة ضبط هذه الصناعة وفق المعطيات الطارئة.
مطابخ الأشباح
مع تزايد المنافسة الشرسة، وفي ظل ابتكارات تكنولوجية متعددة، تصارع المطاعم لإيجاد متنفّس لها يبقيها على قيد الحياة في قطاع صناعة المواد الغذائية، وهذا بالضبط ما يقدّمه "Cloud Kitchen" أو "المطبخ السحابي"، وهو أحد المفاهيم التي تسلّلت إلى صناعة المواد الغذائية لإنقاذ المطاعم من عاصفة كورونا.
المطبخ السحابي أو الافتراضي أو مطبخ الأشباح أو المطابخ المظلمة وغيرها من المسميات التي تندرج تحت هدف ومعنى واحد، هو مطعم للتوصيل فقط من دون مساحة فعلية لتناول الطعام أو منضدة للوجبات الجاهزة. إنه مطبخ مطعم يقبل طلبات التوصيل فقط من دون وجود مطعم تقليدي أو مرفق لتناول الطعام.
إنه مجرد مطبخ تشغيلي لتحضير الطعام، يعمل كوحدة إنتاج، فلا توجد بنية تحتية فاخرة، ولا نوادل، ولا طاولات، ولا أثاث، ولا شيء على الإطلاق، ويمكن أن تتشارك أكثر من علامة تجارية استخدام البنية التحتية نفسها، أي تستطيع العلامات التجارية استئجار هذه المساحات على أساس شهري أو على أساس الاستخدام. على سبيل المثال، يمكن للعلامة التجارية التي تعمل أثناء الليل فقط استئجار المكان ليلاً، بينما يمكن استخدام مساحة المطبخ ومعداته بواسطة علامة تجارية تعمل خلال النهار.
تبلغ مساحة عمل المطبخ المشترك في المتوسط حوالى 110-170 متر مربع، ويمكن أن تستوعب 6-10 علامات تجارية مختلفة للمطاعم في وقت واحد.
التكنولوجيا لاعب خطّ وسط
من هذا المصطلح الجديد، تعود التكنولوجيا لتطل برأسها مجدداً، وتثبت أنّها مفصل مهم لا غنى عنه في تركيبة الحياة البشرية الجديدة؛ ففي المطابخ السحابية، لا يمكن للأمر أن يُنجز من دون الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، إذ تعرض المطابخ السحابية خدماتها من الوجبات على اختلاف أشكالها وأنواعها عبر الإنترنت في تطبيقات مخصّصة تسهّل على عملائها الطلب والدفع عبر الإنترنت والحصول على الطعام في منازلهم بنقرة زر.
ربما يكون الأمر أبعد من مجرد انتقاء وجبة طعام والحصول عليها بضغطة زر، إذ تعمل المطابخ السحابية بتقنية فريدة تسمح لها بالاستفادة من تطبيقات توصيل الطعام واستخدامها لجمع كميات كبيرة من البيانات لتحديد أنواع الأطعمة التي يجب إنتاجها لأحياء معينة والوقت الذي من المرجح أن يكون الطلب فيه أكبر.
ومن الممكن أن تأخذ الأمور منحى آخر في المستقبل، فقد نشهد طهاة آليين يعدّون وجبات جاهزة تنقلها طائرات من دون طيار أو أجهزة آلية أو مركبات مستقلة تقوم بتوصيل الطعام إلى باب منزلك. هذا الأمر ليس بعيداً عن شركة "أمازون"، في حال حاولت الاستحواذ على حصة الأسد في هذا المضمار.
نمو استثماريّ سريع
على مرّ السنين، كان هناك ارتفاع في عدد القوى العاملة في مختلف الشرائح. ونتيجة لذلك، يبحث غالبية المستهلكين حول العالم، وخصوصاً في البلدان المتقدمة، عن المنتجات الغذائية التي يمكن تحضيرها وتقديمها في غضون فترة زمنية محدودة. وبالتالي، شهدت العديد من منتجات الوجبات السريعة بدورها طلباً كبيراً على مدار العامين الماضيين، ما أدى إلى تعزيز نمو سوق المطبخ السحابي.
كذلك، إنَّ أسلوب الحياة المزدحم الذي يعتمده غالبية المستهلكين يفسح المجال لمنتجات المطبخ السحابي لتشهد نمواً في المبيعات، إذ تشير التقارير إلى أنَّ مفهوم المطبخ السحابي يسير إلى الأمام بأعلى معدل نمو سنوي مركّب (CAGR) بين القطاعات الأخرى في صناعة المطاعم، ويعتبر الطريقة الأكثر ذكاءً لإدارة أعمال المطاعم.
وتشير التقديرات أيضاً إلى أنَّ سوق توصيل الطعام عبر الإنترنت سينمو بمعدل 10 أضعاف في السنوات العشر القادمة، من 35 مليار دولار حالياً إلى 365 مليار دولار بحلول العام 2030. وأشارت تقارير أخرى إلى أنَّ حجم سوق المطبخ السحابي العالمي قُدّر بـ 43.1 مليار دولار في العام 2019. ومن المرجّح أن يصل إلى 71.4 مليار دولار بحلول العام 2027، بمعدّل نمو سنوي مركّب قدره 12.0% من 2021 إلى 2027.
على الصّعيد العربي، يشهد السوق الإماراتي ارتفاعاً ملحوظاً في الاستثمارات ضمن هذا القطاع الجديد، وتشير التقارير إلى أنَّ هذه الخدمة مهيأة للنموّ وبقوة، إذ أصبحت المطابخ السحابية هي الخيارات المفضّلة للمطاعم الجديدة والحالية، وخصوصاً بعد تفشي وباء كورونا عالمياً وفترات الحجر والحظر، إضافةً إلى تأثير معرض إكسبو دبي 2020، الذي جلب معه موجة من الزوار العالميين.
رغم العديد من المزايا التي تقدّمها المطابخ السحابية، لكونها تفتح مجالاً جديداً للاستثمار، فإنها تبقى مرهونة بخطر الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها جميع سكّان العالم. ومع التقارير التي تشير إلى احتمال ارتفاع أسعار المواد الغذائية، يبقى السؤال: أيهما أوفر؛ كلفة تحضير وجبة منزلية أم شرائها؟